يشكّل التوافق في الفترات
الانتقاليّة المنهاج الأمثل لاتخاذ القرارات. هذا ما تؤكّده التجربة السياسة و
الدستوريّة التونسيّة الحديثة التي جعلت من التوافق، كطريقة مبدئيّة للوصول إلى
الاتفاق قبل المرور إلى التصويت، الركن الأساسي لإعداد الدستور.
و
التوافق وجه من وجوه التصالح، إمّا بالتخّلّي عن التصويت الشكلي لاتخاذ القرار و
تفضيل الموافقة السكوتية، و إمّا باتّفاق مسبّق على المسائل الخلافّية في مرحلة
أولى لتيسير الإجراء الشكلي المتمثّل في التصويت بالأغلبيّة في مرحلة ثانيّة.
وأصل التوافق من وفق، و في هذا الأصل طيف من
المعاني المتفرّعة يجمعها معيار مشترك وهو خضوع أشياء مختلفة في ظاهرها لميزان
واحد رغم التمييز الظاهر بينها. والوفق، كما يقول ابن منظور، "من الـمُوافقة
بـين الشيئين كالالْتِـحام". فالتوافق هو نتاج اللحمة بعد الافتراق، وفي لسان
القرآن هو الإصلاح مدعّم بتوفيق المولى
بعد الشّقاق[1]
أو الزيغ. يقال "وَفَّقه الله سبحانه للـخير أي أَلهمه وهو من التَّوْفـيق"[2].
التوافق والتفارق و الإجماع.
و المعاني
المذكورة أضداد للمشتقّة من أصل فرق، كالوفاق ضدّ الفراق و كالتّوافق ضدّ التفارق،
و الموافقة ضدّ المفارقة، والتوفيق ضدّ التفريق. فالتوافق كالتجميع بعد التبديد،
أو كالهدنة بعد الفتنة.
و قد اكتسى
التوافق في مرحلة الانتقال الديمقراطي ما بعد الثورة بٌعدا أساسيا، حيث برز كدلالة
على اتخاذ القرار عن طريق الموافقة الدينامكيّة و التفاوضيّة، وليس عن طريق
الموافقة السلبيّة النّاتجة عن عدم الاعتراض،
وذلك فضلا عن التصويت بالأكثريّة، أو
تجنّبا له أو اعتراضا عليه.
خلافا للإجماع
الذي يمثّل اتفاقا ضمنيا غير صريح على حكم أو قرار مجمع عليه، فإنّ التوافق يشمل
كلّ أطوار القرار. فهو يستوجب عددا معلوما من المتفاعلين في إعداد القرار، ثمّ
تسجيل و تحديد الخلافات بينهم في بعض المسائل، ثمّ الشعور بأنّ طرق التصويت
الشكليّة من شأنها أن تخلّف صعوبات أو تحول دون اتخاذ القرار، ثمّ تنظيم فضاء
للحديث والنقاش والمجادلة حول المسائل الخلافية، ثمّ الوصول إلى اتفاق سابق للقرار
عبر تخلّي أحدهم أو بعضهم أو حتّى جميعهم عن
مشاريعهم الأولى، حتّى يكسب إجراء التصويت
بالأغلبية ضمانة أقوى فيما بعد.
الفصل الأول:
التّوافق تجاه أخطار التصويت بالأغلبية.
ظهر التوافق بعد
الثورة التونسيّة في المرسوم عدد 6 المؤرّخ في 18 فيفري 2011 و المتعلّق بالهيئة
العليا لتحقيق أهداف الثورة. ينص الفصل 5 من المرسوم على ما يلي :" تتخذ الهيئة
قراراتها بالتوافق وإن تعذّر ذلك بالأغلبية...". وهذا دليل على أنّ الفاعلين
السياسيين، إثر سقوط معقل الدكتاتورّية و تفجّر حريّة الفكر والتعبير في مناخ ديمقراطي
ناشئ يفتقد إلى آداب الديمقراطية ومبادئها، كانوا واعين بأخطار التصويت بالأغلبية،
منذ فيفري 2011. فالتصويت، إضافة إلى مجازفاته في غياب أغلبيّة مطلقة، فإنّه يُبرز
الانقسامات بين الأغلبيّة و الأقليات و يزيدها تعقيدا، و بالتالي لا يمكنه أن يمثّل
عامل تهدئة و مصالحة، في مناخ عام انتقالي متّسم بالاضطراب والتنافر والتصادم.
التوافق و ضمان
التصويت بالأغلبيّة.
و قد تدعّمت قوّة التوافق الإلزاميّة بفضل التنصيص في "القانون التأسيسي" المؤرّخ في 16
ديسمبر 2011 على أنّ المصادقة النهائيّة على الدستور ستكون بأغلبيّة الثلثين، و إن
استحال ذلك فبالاستفتاء. مما يكرّس ضرورة اللجوء إلى التوافق، عسى أن نتفادى ما في
الاستفتاء من مجهول.
هكذا يصبح التوافق ضرورة
لضمان الاقتراع بالأغلبيّة، خصوصا إذا اشتُرط أن تكون هذه الأغلبيّة معزّزة، ذلك
أنّنا أمام خلافات جوهريّة لا تقتصر على الوسائل فحسب بل تمتدّ لتشمل جملة من من القيم.
و قد اتّسعت هذه الخلافات إلى حدّ كبير بعد الثورة، خاصّة بظهور تيّارات "دينيّة" في
المشهد السياسي.
وهذا ما يفسّر تنازلات حزب الأغلبيّة بالنسبة لبعض مشاريعه التي أثارت احتجاجات جمّة
حتّى داخل الائتلاف الثلاثي الحاكم، الترويكا. ذلك ما وقع فعلا في مسألة الشريعة
كمصدر دستوري أساسي من مصادر التشريع و أيضا فيما يتعلّق ببنود أخرى واردة في
المسودة المعدّة داخل اللجان التأسيسيّة والموزّعة في شهر أوت 2012 والتي تعرّضت
لنقد شديد من قبل الجمعيّة التونسيّة للقانون الدستوري في ملتقى نظّمته الجمعيّة
في نفس الشهر. و من أكثر البنود انتقادا تلك المتعلّقة ب"التكامل" بين
الرجل والمرأة و بتجريم الاعتداء على المقدّسات، وقد عمل حزب الأغلبيّة على إدراج
هذه المسألة بالتّوازي على المستوين الدستوري والتشريعي، باقتراح فصلين دستوريين، الأول
يضمن حرمة المقدّسات[3]
والثاني يجرّم الاعتداء عليها[4] ، و
باقتراح تنقيح الفصل 165 من المجلّة الجزائية يهدف إلى تجريم الاعتداء على
المقدّسات بعقوبة قد تبلغ أربع
سنوات. و لو تحقّقت هذه المقترحات، لأدّت بنا إلى هاوية الاستبداد التيوقراطي، وهو
أبشع وجوه الاستبداد. و أمام الرفض المتصاعد اضطرّ المجلس التأسيسي إلى مراجعة
المشروع، و اعتبر حزب النهضة أنّ الدّستور "لكافة التونسيين" و أنّ
التوافق تبعا لذلك هو المبدأ الأصل لإعداده ضمانا للتصويت عليه بالأغلبيّة
المعزّزة.
عبء التوافق على السلطة الحاكمة
نلاحظ في الظروف الراهنة التي تمرّ بها تونس أنّ ثقل التوافق يؤثّر في الحزب أو الأحزاب الحاكمة
أكثر من غيرها. فمن الطبيعي في مسار انتقالي يتّجه نحو تشييد بناء دستوري جديد أن يراعي حزب الأغلبيّة، وهو "حزب مؤسس" ، مع سعيه إلى
البقاء في الحكم في مرحلة ما بعد الدستور، ضمان الاستقرار، إذ ليس من مصلحته أن
يكرّس التوتّر أو التنازع أو الارتباك، أو حتّى أن يساهم في تكريسها . فبقدر ما
تدوم أو تتفاقم
هذه الظواهر، تتقلّص حظوظ حزب الأغلبيّة الحالي في المحافظة
على هذه الأغلبيّة في الموعد الإنتخابي المقبل. وهو ما يدفعه حتما إلى تجديد
التوافق و العمل على إدامته، وذلك بالتنازل عن طموحاته الأصلية. والنتيجة، هي أنّ
الحزب الحاكم يتكبّد أكثر من غيره وطأة التوافق و مستلزماته.
من جهة أخرى نلاحظ أن حزب الأغلبيّة، بصفته
ماسكا لسلطة الدولة والإدارات العمومية, مسؤول سياسيّا على النجاح و اللإ الإخفاق
أكثر من غيره من الأحزاب، و هذا يقوده حتما إلى أيجاد البحث عن مساندتها من خلال طمأنتها، مما يفرض
عليه اللجوء المتجدّد إلى التوافق، وذلك بالتّنازل
عن مواقفه الأصليّة. وهذا ما لاحظناه، إضافة إلى الأمثلة سابقة الذكر، فيما يخصّ تراجع
حزب النهضة عن مواقفه الأولى المتمثّلة في تفضيل النظام البرلماني الصرف وعدم
انتخاب رئيس الجمهوريّة بالإقتراع العام الشعبي المباشر. و هذا التراجع لا يعبّر
فحسب على حكمة سياسيّة محمودة، بقدر ما يمثّل تعبيرا على ضرورة موضوعيّة مترتّبة
عن موازين القوى السياسية. لذا يخطئ من يرى في ذلك شيئا من باب الإستسلام.
الفصل الثاني: التّوافق تجاه أخطار حكومة الأغلبية.
أصبح التوافق في
تجربة المجلس التأسيسي بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 و تشكيل حكومة الأغلبيّة
الائتلافيّة الثلاثيّة، (الترويكا)، وسيلة تستغلّها أحزاب المعارضة لنقد مبدأ
الأغلبية في حدّ ذاته، رغم صبغته الديمقراطيّة. و قد كرّس "الدستور الصغير" قاعدة الأغلبية في
شكليها البسيط و المعزّز.
مبدأ الأغلبية
في خدمة الحكومة.
لقد تباهت أحزاب
الترويكا، المنتصرة في انتخابات 23 أكتوبر 2011، بأنّها تمثّل الإرادة الشعبيّة و
سيادتها. و لعلّه من باب فقدانهم التواضع، أو التبصّر السياسي، أن استغلّوا ذلك
لتعزيز هيبتهم أو للتعبير عن إرادتهم في أن يكونوا أسياد المحلّ أو لتقزيم
المعارضة. و قد اكتسى مبدأ الأغلبيّة
عندهم معنيان أساسيّان.
الأول أنهّ يمثّل
إجراء قانونيّا يمكّن الحكومة من اتخاذ القرارات
وفق الإرادة الشعبيّة و أن تطبّقها على هذا الأساس، مما يضع عملية إعداد
موادّ وفصول الدستور المختلفة في يدّ الأغلبيّة الحاكمة، مع تأمين
حق المعارضة من خلال التصويت بالثلثين للمصادقة النهائيّة على الدستور. يضاف إلى
ذلك أنّ المجلس الوطني التأسيسي أسند لنفسه السلطة التشريعيّة في القانون التأسيسي عدد 6 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011، مما خوّل للأغلبية
الحاكمة الامتياز في المجال التشريعي.
المعنى الثاني، وهو
أوسع نطاقا، يتمثّل في مقولة إنّ الأغلبية الانتخابيّة هي نتيجة منطقيّة و مباشرة للمشروعية
الديمقراطيّة و ناطقة باسمها. وبناء على هذا المنطق، قام بعض رؤساء أحزاب الأغلبية
الحاكمة، مثل النهضة، بحملة سخرية واحتقار
إزاء أحزاب الأقلية، مطلقين عليها تسميّة أحزاب "الصفر فاصل"، فأوّل ذلك
بأنه علامة إقصاء و سيطرة، بل رجوع إلى الدكتاتوريّة، مما زاد في الاحتراز والحذر
من الأغلبية الحاكمة. من هنا أصبح مبدأ الأغلبية موضوع تشكيك و مبدأ التوافق محل
تفضيل.
التجريح في مبدأ الأغلبية و عودة التوافق.
قُدّمت العديد
من الأسباب لتبرير التجريح في مبدأ الأغلبية باسم التوافق.
الأوّل، متّفق عليه حتى من قبل حزب الأغلبيّة، و
هو أنّ الدستور يصاغ لجميع التونسيين، لا لجزء منهم أو، من باب أولى وأحرى، لحزب
منهم . فعلويّة الدستور تقتضي توافق الجميع على حساب الأغلبية الانتخابيّة
العدديّة.
الثاني، هو الذي
رفعه حزب نداء تونس و استغلّه رئيسه، قبل تكوين الحزب، منذ بيان 26 جانفي 2012 الذي
جاء فيه التذكير "بأننا بصدد قطع مرحلة انتقاليّة ثانية مصحوبة بدورة
انتخابيّة لا تقلّ تعقيدا عن الدورة الأولى ، ستبقى بحاجة أكيدة إلى تكريس
التوافق...". و طلب التوافق هذا جاء بعد تذكير آخر سبقه في نصّ البيان
و هو أنّ المجلس التأسيسي انتّخب "لمهمّة وضع الدستور و الإعداد لانتخابات مؤسّسات الحكم الدائمة و ذلك في ظرف سنة
واحدة من تاريخ انتخابه ...".
و البرهان عن ذلك يتمثّل في أنّ الأمرين الصادرين لدعوة الناخبين في 20 ماي، ثمّ في 3 أوت 2011 قد حدّدا مدّة عمل المجلس
التأسيسي بسنة واحدة و هو ما أكّده "إعلان المسار الانتقالي" الموقّع عليه في 15 سبتمبر
2011 من قبل الأحزاب السياسية و على رأسها
حزبين من الثالوث الحاكم. و هذا يعني، حسب ما وقع توضيحه فيما بعد، نزع الشرعية الانتخابيّة عن السلط الوقتيّة
ابتداء من 22 أكتوبر2012[5] و تعويضها
الحتمي بالشرعيّة التوافقيّة.
أما السبب الثالث،
فراجع، حسب مقولة رئيس نداء تونس، إلى أنّ الفوز الانتخابي لأحزاب الترويكا، و
بالتخصيص النهضة، ليس له ما يدّعون من الألق و العتد. فمن جملة 8739644 ناخب، لم يشارك
إلاّ 4306367 في العمليّة الانتخابيّة، أي بنسبة 49,2%، و لم يقترع 51% من الناخبين.
و بما أنّ حزب النهضة نال 1.498.905 صوت، فنسبة نجاحه تمثّل أقلّ من 18% من الناخبين
(34% من الأصوات الصحيحة). بهذا الحساب، تتدنّى الأغلبية إلى أبسط درجة، مما يزيد
للتوافق إلزاما.
لقد رأت الترويكا في أطروحة نداء
تونس رسالة سلبيّة إلى أقصى درجة باعتبار أنّها تحدّ خطير
للشرعية الوحيدة الموجودة في البلاد وهي الشرعية المتأصلّة في المجلس الوطني التأسيسي،
فازدادت عدوانيتها تجاه حزب نداء
تونس الذي اتهم بألف عاهة من بينها أنّه أصبح مأوى للتجمّعيين و داعيا إلى
الفراغ. و في هذا السياق، قال راشد
الغنوشي رئيس حركة النهضة في أوائل أكتوبر 2012، أن "نداء تونس اخطر من السلفية لأنّ السلفيّة خارجة
عن مؤسّسات الدولة في حين أنّ ظاهرة إعادة إنتاج التجمّع الهالك تشكّل تهديدا على
الثورة(...) و أنّ القضاء على السلفيين أسهل من القضاء على التجمعيين"[6]..
و قد أدّى ذلك
بالترويكا، ثم
بحركة النهضة و المؤتمر من أجل
الجمهوريّة إلى مقاطعة "الحوار
الوطني" الذي بادر
به في 16 أكتوبر2012 الاتحاد العام التونسي للشغل، و إلى عرض مشروع قانون يرمي إلى إقصاء المسؤولين القدماء في التجمّع
من المشاركة في الانتخابات و الحياة السياسية.
أمّا أقوال رئيس حركة النهضة فقد أثارت ردودا عديدة منها الرد اللاذع للأمين العام لنداء تونس الأستاذ الطيّب البكوش، قائلا أنّ لديه سؤالان: "من
هو أخطر، الذي يحرق السفارات أم نداء تونس؟ من هو أخطر،
الذي يرسل مليشيات لمنع اجتماعات الأحزاب الأخرى أم نداء تونس؟"[7]
في إطار هذا المناخ السياسي المتأزم والمهدّد لحزب يعتبره عديد الملاحظين السياسييّن الأكثر قدرة على الحدّ من
هيمنة النهضة، برز
التوافق كحلّ ضروري كفيل
بضمان حقوق المعارضة.
إعادة النظر في الشرعية الانتخابية لمكافحة الاستبداد.
إنّ المواقف المعادية التي اتخذتها حكومة الأغلبية مكّنت حزب نداء تونس من توضيح
موقفه من الشرعيّة، ولكن أيضا من اقتراح منوال بديل لإدارة شؤون الدولة.
في هذا السياق، أوضح رئيس حركة نداء تونس و رفقاؤه ، بمناسبة أحاديث
تلفزية ، أو من خلال تصريحات للصحافة، أنه لا وجود من قبلهم لأي سعي يهدف إلى
تهديد دوام الدولة أو أمنها، و لا يدخل في
نواياهم الطعن الكلي في شرعية المجلس
الوطني التأسيسي ، ولكن قصدهم يرمي إلى
إعادة تصميم أو ترتيب الشرعية الانتخابية لإعادة بناء جميع المؤسسات على
الشرعية التوافقية.
يعني ذلك بجانب التوجّه
نحو المشاركة والتشاور مع جميع قوى المعارضة في صنع القرار، ولكن أيضا وبشكل
ملموس، إعادة تشكيل للحكومة نفسها، كي لا تكون حكرا على االترويكا. و قد اعتُبر هذا الاحتكار المصدر الرئيسي لفشل
الحكومة الذريع في إدارة البلاد بعد الانتخابات 23 أكتوبر 2011. و تبعا لذلك و في
مصلحة البلاد، لا بد من العودة إلى سياسة تتّسم بأكثر مشاركة و عقلانية، وبالتالي
بأكثر نجاعة.
ومن هذا
المنطلق صرّح السيّد الباجي قائد السبسي
في جويلية 2012: "أنا شخصيا لا أقصي
أحدا، لأنني أعتقد أن المواطن التونسي، (...) له الحق في المشاركة في الحياة العامّة
والسياسية لبلاده. وإذا نزعت عن المواطن الحق في المشاركة، فكأنّك سلبته من
جنسيته. أنا أقول أنه من غير المقبول أن نستبعد هذه الفئة من التونسيين لسبب أنهم
كانوا في السلطة قبل النهضويين أو أنهم
ساهموا في نظام بن علي. هناك مليونين من التونسيين الذين تعاونوا مع النظام
السابق، ولكن هذا لا يعني أنه لا يجب التعامل معهم"[8].
الخاتمة.
يبدو من خلال هذا
الجدل القائم حول الشرعية
و المشروعيّة أنّ التوافق اكتسب منزلة هامّة حاسمة،
حيث يظلّ مصدرا حقيقيّا وأصيلا لمشروعية السلط العموميّة، بل أصلا من أصول السياسة، متجاوزا صفته كأسلوب
إجرائي للوصول إلى اتخاذ القرار.
أصبح التوافق
بالنّسبة للمنادين به حصنا يحمي حقوق المعارضة، ضدّ تعسّف سلطة الأغلبيّة، وضمانة
للتوازن العام للمجتمع السياسي في هذه المرحلة الانتقاليّة الصعبة. فيبرز التوافق اليوم كالميزان يفصل بين الحكم و
الحكم المضاد، إذ يضمن للأوّل التناسق في القرار و للمعارضة المشاركة الفاعلة
فيه بجانب التعدّديّة.
وعلى هذا الأساس نعتبر أنّ السياسة الخطيرة المتّبع حاليا من قبل الحزب
الحاكم تجاه الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة و فيما يتعلّق بما يسمّى بمشروع
قانون "تحصين الثورة" من جهة أخرى تشكّل خرقا فادحا لمبدئ التوافق.
[2] وفـي الـحديث: لا يَتَوَفَّقُ عبدٌ حتـى
يُوَفِّقه الله. وفـي حديث طلـحة والصيد: إِنه وَفَّق مَنْ أَكله أَي دعا له
بالتَّوْفـيق واستصوب فعله. واسْتَوْفقتُ الله أَي سأَلته التَّوفِـيق". عن
ابن منظور.
[3] الفصل الرابع
من باب المبادئ العامة:" الدولة راعية الدين، كافلة لحرية المعتقد و ممارسة الشعائر
الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد دور العبادة عن الدعاية الحزبية".
[4] الفصل 3
من باب الحقوق و الحريات:" تصمن الدولة حريّة المعتقد و ممارسة الشعائر
الدّينيّة و تجرّم كلّ اعتداء على المقدّسات
الدّينيّة.".
[5]
Rafaa Ben Achour, « Qu'adviendra-t-il
de l'ANC, le 22 octobre 2012 ? », La Presse de Tunisie, mardi 4 septembre 2012,
p.9.
[7]
Meriem.KH., « Tunisie :Réponse de Nida Tounes à Rachid
Ghanouchi », Site de « Investir en Tunisie », 05 octobre 2012.
[8]
Entretien BCE. avec Hassen Arfaoui, Réalité on line, 26/07/2012.